
لم تعد وسائل الإعلام مجرد أدوات لنقل الأخبار والمعلومات، بل أصبحت قوة مؤثرة تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل وعي الجمهور تجاه مختلف القضايا، ومن بينها الصحة الرقمية.
فمن المذياع الذي كان ينقل الرسائل التوعوية إلى شاشات الهواتف الذكية التي توفر استشارات طبية فورية، تطورت وسائل الإعلام بشكل غير مسبوق، مما جعلها جسرًا حيويًا لنشر الثقافة الصحية وتعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية التفاعل الذكي مع التكنولوجيا الطبية، لا سيّما في عصر الثورة الرقمية التي نعايشها ونعاصرها.
الإعلام والصحة الرقمية.. علاقة تكاملية
لم تعدْ الصحة الرقمية مجرد مفهوم نظري، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية بفضل التطورات التكنولوجية المتسارعة. في هذا السياق، تلعب وسائل الإعلام دورًا حاسمًا في نشر المعرفة الصحية وتعزيز الوعي الرقمي بالممارسات الطبية السليمة. فمن خلال التقارير الإخبارية، والبرامج التلفزيونية، والمنصات الرقمية، أصبح الجمهور أكثر قدرة على الوصول إلى المعلومات الصحية الدقيقة التي تساعده في اتخاذ قرارات واعية حول أسلوب حياته وصحته الشخصية.
نشر المعلومات الطبية الموثوقة
تُعد وسائل الإعلام جسرًا حيويًا لنقل المعلومات الطبية الموثوقة إلى الجمهور، سواء عبر الصحف أو القنوات الإخبارية أو منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتم تقديم محتوى صحي مدعوم بمصادر علمية موثوقة، مما يساعد الأفراد على التمييز بين المعلومات الصحيحة والخرافات الصحية الشائعة. كما أن الحملات الإعلامية تلعب دورًا في تصحيح المفاهيم الخاطئة المرتبطة بالتغذية، الأمراض المزمنة، واللقاحات، مما يعزز الثقافة الصحية العامة.
تعزيز الوقاية والكشف المبكر
إحدى أهم إسهامات الإعلام في الصحة الرقمية هي تعزيز ثقافة الوقاية والكشف المبكر عن الأمراض. فمن خلال الإعلانات التوعوية والمقالات الصحية، يتم تثقيف الجمهور حول أهمية الفحوصات الدورية، والتطعيمات، وطرق الحد من انتشار الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم. كما أن البرامج الصحية المتخصصة تقدم إرشادات عملية حول كيفية التعامل مع الأعراض الأولية للأمراض، مما يساعد في التشخيص المبكر وتقليل المضاعفات الصحية.
تغيير السلوكيات الصحية
صار يمارس الإعلام دورًا أساسيًا في تغيير أنماط الحياة غير الصحية، حيث تعمل الإعلانات التوعوية والبرامج الصحية على تحفيز الأفراد لاعتماد ممارسات صحية مثل ممارسة الرياضة، الإقلاع عن التدخين، وتبني عادات غذائية متوازنة. فبحسب دراسة “دور إعلانات حملات التوعية الصحية في وسائل الإعلام”، المشورة في “المجلة المصرية لبحوث العلاقات العامة والإعلان” عام 2020، فإنَّ منصات اليوتيوب والبودكاست أصبحت ضمن مصادر مهمة للمحتوى التثقيفي حول التغذية السليمة والتمارين الرياضية، مما يتيح للجمهور متابعة نصائح خبراء الصحة العامة والتغذية في أي وقت بسهولة وفي أي وقت.
تسهيل الوصول إلى الخدمات الطبية الرقمية
مع تطور التطبيقات الصحية والتقنيات الذكية، أصبح الإعلام وسيلة فعالة لتعريف الجمهور بالخدمات الطبية الرقمية، مثل التطبيب عن بُعد، والسجلات الطبية الإلكترونية، وأجهزة تتبع اللياقة البدنية. من خلال المحتوى الإعلامي، يتم تسليط الضوء على فوائد هذه التقنيات وكيفية استخدامها، مما يعزز من انتشارها ويجعل الوصول إلى الرعاية الصحية أكثر سهولة وفعالية، خاصة في المناطق النائية.
في المجمل، تُشكّل وسائل الإعلام والصحة الرقمية علاقة تكاملية تهدف إلى تحسين جودة الحياة الصحية للأفراد، وتعزيز الوقاية، وتمكين الجمهور من الاستفادة من التكنولوجيا الطبية الحديثة. ومع استمرار التطورات الرقمية، يصبح للإعلام دور أكثر أهمية في نشر الوعي الصحي وتوجيه الجمهور نحو نمط حياة أكثر توازنًا وصحة.
تكنولوجيا الصحة العامة
بحسب منظمة الصحة العالمية “WHO” يُعرف استخدام التكنولوجيا لأغراض الصحة العامة بأنَّه سبيل للوقاية من الأمراض غير السارية وعوامل الخطر المرتبطة بها ومعالجتها وذلك من خلال تقديم دعم الرعاية الصحية للمرضى، وتقديم الدعم التقني لمقدمي الخدمات الصحية. ويشمل ذلك استخدام الرسائل النصية وتطبيقات الهواتف المحمولة.
ولمكافحة أثر الأمراض غير السارية، ينبغي النظر إلى استخدام تكنولوجيا الأجهزة المحمولة في مجال الصحة بوصفه عنصرًا من عناصر استراتيجية أوسع نطاقًا للأمراض غير السارية، وليس برنامجًا مستقلًا بذاته. فسهولة استخدام الهواتف المحمولة واتساع نطاقها يجعلان منها أداة مثالية لاستخدام تكنولوجيا الأجهزة المحمولة في مجال الصحة، حيث إن الجميع تقريبًا يمكنهم الحصول على هاتف محمول، وتمتد التغطية حتى إلى المناطق النائية. ويهدف استخدام تكنولوجيا الأجهزة المحمولة في مجال الصحة إلى تعزيز محو الأمية الصحية، وتحسين الوقاية من الأمراض غير السارية، وتحسين التدبير العلاجي الذاتي للأمراض، وتثقيف المرضى، وتقديم الخدمات للمرضى مباشرة، وتقديم الدعم التقني، ومساعدة الحكومات في تنفيذ السياسات الوطنية المعنية بالأمراض غير السارية.
من البث الإذاعي إلى الخوارزميات الذكية
ومع ازدياد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، أصبحت المنصات الإعلامية قادرة على تحليل سلوك المستخدمين وتقديم توصيات صحية أكثر دقة، مما يسهل على الأفراد الوصول إلى المعلومات ذات الصلة بسرعة وفعالية. كما أن المساعدات الصوتية الذكية، مثل “سيري” و”أليكسا”، باتت توفر استشارات صحية أولية من خلال تحليل استفسارات المستخدمين واقتراح حلول مبنية على قواعد بيانات طبية موثوقة.
ورغم هذه الفوائد، يظل التحدي الأكبر هو التحقق من موثوقية المحتوى الصحي، حيث تنتشر المعلومات غير الدقيقة عبر الإنترنت بسهولة، مما قد يؤثر سلبًا على القرارات الصحية للأفراد. لذا، أصبح من الضروري تعزيز الثقافة الصحية الرقمية وتوجيه المستخدمين إلى المصادر المعتمدة، مثل المواقع الرسمية للمنظمات الصحية والمجلات الطبية المتخصصة، لضمان الحصول على معلومات دقيقة وموثوقة.
وسائل الإعلام الحديثة.. هل هي سلاح ذو حدين؟
رغم الفوائد العديدة، إلّا أن الإعلام الرقمي يواجه تحديات، من أبرزها انتشار المعلومات المضللة والمحتوى غير الموثوق. لذا، يحتاج المستخدمون إلى مهارات التفكير النقدي الرقمي لتقييم مصادر الأخبار الصحية والتأكد من مصداقيتها قبل اتخاذ قرارات تؤثر على صحتهم.
ختامًا، لم يَعُدْ دور وسائل الإعلام مقتصرًا على الترفيه أو الأخبار العاجلة، بل أصبح قوة مؤثرة في تعزيز الصحة الرقمية وتمكين الأفراد من اتخاذ قرارات صحية سليمة. ومع استمرار التكنولوجيا في التطور، يصبح من الضروري أن يتحلى الجمهور بوعي رقمي يمكنه من الاستفادة من الثورة الصحية الرقمية بطريقة آمنة وفعالة.