تعتبر الترجمة الصحفية واحدة من أهم مجالات العمل الإعلامي، فنقل الكلمة من لغة إلى أخرى لا يقل عن نقل الخبر من دولة إلى أُخرى، ونحنُ في عصر تتصارع فيه المعلومات، يبدو مجال الترجمة واجهةً داخل المؤسسة الإعلامية ومصدر من مصادر حصول المعلومات. مع ذلك يتطلب هذا النوع من الترجمة مستوى عالٍ من الدقة والاحترافية لضمان توصيل المعلومات بشكل صحيح دون تحريف أو سوء فَهم.
تُسهم الترجمة الصحفية Journalistic Translation، لا سيَّما في عصرنا الحالي، في إثراء وتفعيل عملية المنافسة المتزايدة بين المنصات الإعلامية عالميًا في دفعها لتقديم أخبار حصرية تزيد من شعبيتها وتوسع قاعدتها الجماهيرية، وذلك عبر تغطية الأحداث الدولية وترجمتها. فمن خلال الترجمة الصحفية، نتعرف على أحداث عالمية مثل انتشار فيروس جدري القرود أو تطورات تاريخية في دول بعيدة.
أسس الترجمة الصحفية
- الدِّقة
الدِّقَّة هي العامل الأساس في الترجمة الصحفية، حيث يجب على المترجم نقل المعنى والمحتوى بشكل واضح ودقيق، دون الإخلال بالسياق الأصلي أو التلاعب في المعلومات. فالخطأ في الترجمة قد يؤدي إلى تأثير سلبيٍّ على مصداقية الصحفي أو المؤسسة الإعلامية، بالإضافة إلى تأثيره على فهم الجمهور للحدث. هذا المعيار يرتبط بمعايير صحفية ومهنية كثيرة، مثل الأمانة والصدقية وهو معيار لابد من توافره في الصياغة المكتوبة داخل المادة الصحفية، ويحقق بدوره المصداقية لدى القارئ الذي يضع ثقته في الوسيلة أو الصحيفة المنشور فيها هذا المضمون.
- الاحترافية
من جهة أخرى، تأتي الاحترافية كمكمِّل للدقَّة، إذ يتطلَّب من المترجم أن يكون على دراية كاملة بالقضايا الثقافية والسياسية التي تحيط بالخبر، ما يساعده على تقديم ترجمة متوازنة تراعى جميع الأبعاد الثقافية والجوانب الاجتماعية. كما يجب على المترجم الصحفي أن يكون ملمًا بأسلوب الكتابة الصحفية، ليتمكَّن من إيصال المعلومة بأسلوب سلِس ومفهوم.
- السلاسَة
تجنب الترجمة الحرفية كلمة بكلمة، واعتماد الأسلوب السلس الذي لا يوحي للقارئ بأن النص مترجم، وأن يبدأ المترجم نصه بفعل حتى في حال عدم التزام الخبر بلغته الأصلية بذلك، وكذلك تجنب صيغة المبني للمجهول التي يكثُر ظهورها داخل النصوص الإنجليزية. فعلى المترجم أن يجعل ترجمته مُرَاعِية للفروق الثقافية واللغوية، وذلك حين ينطق لفظة تحمل طابع أدبيِّ أو إبداعيّ، قد تغير الترجمة الحَرْفية النمطية من مقصدها.
يمكن ترجمة العنوان بالترجمة الحرفية، طالما أن هذه الحرْفية لا تنتهك ثقافة اللغة المستهدفة، كبعض الكلمات التي تنطق بنفس اللفظ مثل “فيس بوك”، أو بعض الكلمات التي أجبرتها الحداثة على أن تُترجم بذات النمط التي هي عليه مثل “بلوج “Post” ،“Blog”، “بوست”، Tweet”، “تويت”، أو هُنَاك بعض الفروقات البسيطة التي تختلف في النطق أو اللَّهجة مثل “هاشتاج” أو هاشتاغ، والتي أصل نطقها باللغة الإنجليزية hashtag، حتَّى أنَّنا ننطقها بالعربية الوسم أو الوسوم.
- مزامنة الأحداث
هذا المبدأ يميِّز الترجمة الصحفية عن غيرها من التراجم، فإنْ كانت المادة الصحفية سريعة التلف لا يمرُّ عليها وقت طويل، فذلك شأن تراجمها، والتي لا بد وأن تكون ترجمة حية لموضوع يكتسب الحيوية والحداثة والمعاصَرة. إنَّ مزامنة نقل الأحداث مع وقت حدوثها تعدّ من الأسس الهامَّة في الترجمة الإعلامية، حيث يجب نقل الأخبار في نفس وقت حدوثِها لضمان تحقيق سبْق صحفيِّ ذي قيمة. فمثلاً، نشر خبر عن انتشار مرض أو باء أو وقوع حادث او نبأ وفاة شخصية مؤثِّرة لن يكون له قيمة لو مرَّت عليه أيام بل وساعات، ما دام لم يكُن في إطاره اللحظي.
الفرق بين الترجمة الصحفية والكتابة الصحفية
الترجمة الصحفية والكتابة الصحفية هما جزءان مهمان من العمل الإعلامي، ولكنَّهما يختلفان في الأدوار والأهداف والمهارات المطلوبة لكل منهما:
الترجمة الصحفية
- التعريف: هي عملية نقل الأخبار والمقالات من لغة إلى أخرى مع الحفاظ على دقة المعلومات والمحتوى.
- الهدف: الهدف الرئيسي هو توصيل الأخبار والمعلومات إلى جمهور مختلف من الناطقين بلغات أخرى، مع ضمان عدم تشويه أو تحريف المعنى الأصلي.
- المهارات المطلوبة: المترجم الصحفي يحتاج إلى معرفة عميقة باللغتين (اللغة الأصلية واللغة المستهدفة)، بالإضافة إلى الفهم الجيد للسياق الثقافي والسياسي المرتبط بالخبر. يجب عليه الحفاظ على الحيادية ونقل المعنى بدقة مع تجنب الترجمة الحرفية التي قد تغير المعنى.
- التحديات: من التحديات الرئيسية في الترجمة الصحفية هي التعامل مع الفوارق الثقافية والسياسية بين اللغتين، والقدرة على تفسير المعاني التي قد لا تكون واضحة أو مألوفة في الثقافة الأخرى.
الكتابة الصحفية
- التعريف: هي عملية إنتاج الأخبار والمقالات من الصِفر، بناءً على الأحداث الجارية والتحقيقات الصحفية، وصياغتها بأسلوب يناسب الجمهور المستهدف.
- الهدف: الهدف من الكتابة الصحفية هو تقديم المعلومات والأخبار للجمهور بوضوح ودقة، مع الالتزام بالمبادئ الصحفية مثل الموضوعية والحياد.
- المهارات المطلوبة: الكاتب الصحفي يحتاج إلى مهارات في جمع المعلومات والتحقيق الصحفي وصياغة النصوص بأسلوب صحفي يجذب القارئ، بالإضافة إلى القدرة على التحليل وتقديم الخبرة الصحفية في الموضوعات المعقدة.
- التحديات: من التحديات التي يواجهها الكاتب الصحفي هي القدرة على تقديم الأخبار بشكل سريع ودقيق، والالتزام بالمعايير الأخلاقية والمهنية في تقديم المعلومات.
- الترجمة الصحفية تتعلق بنقل النصوص من لغة إلى أخرى مع الحفاظ على المعنى والسياق، بينما الكتابة الصحفية تركز على إنشاء محتوى جديد وتقديم المعلومات والأخبار بناءً على البحث والتحقيق.
أنواع الترجمة الإعلامية والصحفية
الترجمة الصحفية هي واحدة من أكبر أشكال الترجمة المتخصصة الَّتي تتطلب مهارات دقيقة وحساسية ثقافية عالية. تتضمن ترجمة المقالات الإخبارية أو محتوى المجلات، وهي واحدة من أنواع فنون عديدة وشتَّى، كالترجمة الاقتصادية والترجمة الأدبية والترجمة القانونية والترجمة التجارية والطبية والمتخصصة، وغيرها من التراجم المستخدمة. لكن تنقسم أنواع الترجمة الصحفية الإعلامنية باختلاف أغراض وعوامل معينة:
- الترجمة الإعلامية المقروءة: تُعرض في الوسائل الورقية مثل الصحف والمجلات، وتكون إما مدمجة حيث يظهر النص الأصلي والترجمة في نفس الصفحة، أو منفصلة حيث تصدر نسخة باللغتين.
- الترجمة الإعلامية المسموعة: تتم في إذاعات الراديو عبر نقل حديث المتحدث إلى لغة أخرى، إما بتغطية صوت المتحدث أو بترجمة فورية بعد التوقف.
- الترجمة الإعلامية المرئية: تتم عبر القنوات الفضائية، باستخدام الترجمة الصوتية أو كتابة النص المترجم أسفل الشاشة بالتزامن مع الحديث.
تصنيفات الترجمة
- تصنيف الترجمة وفقًا لنوع الخبر: يشمل الأخبار السياسية، الرياضية، الاقتصادية، والفنية.
- تصنيف الترجمة وفقًا للغة: يشمل الترجمة من لغات مثل “الفرنسية، والإنجليزية، والإيطالية..، وغيرها” إلى لغات أخرى.
مستقبل الترجمة في العصر الرقمي
أحدثت تقنيات الإعلام والاتصال الحديثة تحولًا جذريًا في مهنة المترجم، حيث باتت تسهم في كل مراحل الترجمة من حفظ النصوص الأصلية وترجمتها إلى أرشفتها وإعادة استرجاعها بسهولة عند الحاجة، فجعلت الرهانات على مستقبل هذا المجال وهذه الوظيفة تزداد. لقد وفَّرت التكنولوجيا الحديثة أدوات الترجمة الآلية والحاسوبية، مما ساعد على تسريع عمليات الترجمة وخفض التكاليف. فلا سيما في عهد الذكاء الاصطناعي، مثل chat GPT، الذي جعل من المادة المترجمة أكثر دقة من خدمات الترجمة الفورية عبر محركات البحث وغيرها من المنصات الإلكترونية، إلَّا أنَّ عوامل – سالفة ذكرها – تتنوع بين الدقة والأمانة ومراعاة الأصول المهنية وإطار التخصص يخفف من على كاهل المسؤولية الكثير من المخاوف التي تحيط بالترجمة الذكية في المستقبل.
إنَّ أدوات الترجمة العامة غير المتخصِّصة للترجمة تظل مقصورة في كونها تيسيرات للتواصل الكتابي، وحتى البرامج الأخرى مخصصة للترجمة مثل الترجمة الآلية والحاسوبية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتحليل اللغات الطبيعية، تظل محكومة بأسُس ومعايير ضابطة لهذه المهنة، والتي بالتالي لا غِنى فيها عن الدقة والاحترافية. فالترجمة دومًا بحاجة إلى متخصص – وليس لناقل – يفهم طبيعة الاستخدام وتوجيه الرسالة الإعلامية للقارئ المستهدف، الذي – بدَوْره – يكون لديه عقل ينقُد ويفنِّد ويحلِّل.