تُعد الحملات الإعلامية Media Campaigns من الأنشطة الاتصالية المهمة التي تتنوع وجهات النظر حول مفاهيمها وتعريفاتها، فهناك من يراها سلسلة من الرسائل الإعلامية المتصلة والموظفة بمقاييس محددة، تهدف إلى تحقيق أهداف بعينها، وهناك من يرسمها كخطة تشمل استراتيجيات دقيقة تعمل في سيمفونية فنية، لتحقيق أهداف زيادة الوعي أو تغيير السلوك وإحداث تأثيرات معينة لدى الجمهور، خلال فترة زمنية محددة.
الاختلاف السابق يرجع إلى الوظائف المتعددة التي تؤديها هذه الحملات، وأهدافها المتنوعة التي تسعى لتحقيقها، بالإضافة إلى اختلاف خصائصها وتعدد عناصرها، التي تحدد أهم ما يميزها عن الخلط والتشابه مع مفاهيم أخرى كالحملات الإعلانية أو الترويجية أو التسويقية. مما يجعل من الصعب وضع تعريف محدد للحملات الإعلامية يتَّفق عليه الكثير من الباحثين.
أهداف الحملة الإعلامية
- تزويد الجماهير بالمعلومات والبيانات
يُعتبر توفير المعلومات والبيانات للجماهير المستهدفة حول القضايا والمشكلات التي تؤثر على حياتهم أمرًا ضروريًا. فهذه الخطوة تعزز من الوعي المجتمعي، وتمكن الأفراد من فهم التحديات والفرص المتاحة أمامهم. من خلال تزويدهم بمعلومات دقيقة وشاملة، يمكن تشجيعهم على اتخاذ خطوات فعّالة تسهم في تحسين أوضاعهم.
- التأثير على الاتجاهات والمواقف
يسعى الإعلام من خلال حملاته إلى التأثير في مواقف الجماهير واتجاهاتهم نحو قضايا معينة، مما يُعزز من دعم السياسات العامة للمؤسسات أو الدولة. يعتمد ذلك على استهداف الرسائل الإعلامية بدقة لتوجيه انتباه الجمهور نحو قضايا مهمة، مما يساعدهم على اتخاذ مواقف مستنيرة تسهم في تحقيق أهداف المجتمع بشكل عام.
- تعديل السلوكيات والأنماط المجتمعية
تهدف الحملات الإعلامية إلى إحداث تغييرات تدريجية في سلوكيات الجماهير المستهدفة، خاصة في ظل الأزمات أو الكساد الاقتصادي. يتم ذلك من خلال استراتيجيات مدروسة تدعم التضامن المجتمعي، وتعزز من سلوكيات إيجابية تدفع نحو تحسين الظروف المعيشية وتحقيق المصلحة العامة للجميع.
خصائص الحملات الإعلامية
- رسالة واضحة: يجب أن تكون الحملة الإعلامية ذات رسالة واضحة تمس احتياجات واهتمامات الجمهور المستهدف، فوضوح الرسالة يساعد في جذب انتباه الجمهور ويعزز من فعالية الحملة.
- عناصر تفاعلية: تحتوي الحملة على عناصر تفاعلية تهدف إلى بناء مزيد من العلاقات مع الجمهور، وتعزِّز من فهم الناس للحملة وتزيد من مشاركتهم فيها، مما يُسهم في تحقيق أهداف الحملة.
- عبارات موجزة وقوية: يتعين على الحملة استخدام عبارات موجزة وقوية تؤثر على الجمهور بشكل مباشر، يجب تجنب العبارات الفضفاضة التي قد تؤدي إلى شعور الجمهور بالملل، ممَّا قد يؤدي إلى ابتعادهم عن الحملة.
- تنظيم محكم ومرونة: يجب أن تكون الحملة مُخطَّطة ومُرتَّبة بشكل دقيق، مع ضرورة أنْ تتسم بالمرونة لاستيعاب أي تغيرات قد تطرأ على مسارها. هذه الخصائص تساعد في الحفاظ على فعالية الحملة في ظل الظروف المتغيرة.
- أهداف واضحة: ينبغي تحديد أهداف واضحة للحملة مع فترة زمنية محددة لتحقيق هذه الأهداف، وضوح الأهداف يساعد على قياس نجاح الحملة وتقييم أدائها.
- سهولة الانتشار: من الضروري أن تنتشر الحملة بسهولة وسرعة، حيث إنَّ عدم انتشارها سيؤدي إلى عدم فعاليتها، السرعة في الانتشار تضمن وصول الرسالة إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور المستهدف.
- شعار مميز: يتطلب الأمر وجود شعار يعبر عن الحملة، لا سيَّما وإنْ كان سيوضع على الموقع الإلكتروني الخاص بها. الشعار يساعد في تعزيز هوية الحملة ويسهل على الجمهور تمييزها.
- مطابقة للقيم المجتمعية: يجب أن تتوافق الحملة مع قيم ومعايير المجتمع، حيث إنَّ عدم الالتزام بهذه القيم قد يواجه الحملة صعوبة في الانتشار والقبول لدى الجمهور.
التخطيط لحملة إعلامية ناجحة
أولاً: تحديد الأهداف الكبرى
من أجل تنفيذ الخوات الصحيحة لتحقيق حملة إعلامية ناجحة، لا بد من التعرف على أهداف الحملة الإعلامية الكبرى، الَّتي تعد الخطوة الأولى لتنفيذ حملة إعلامية ناجحة:
- تحديد الهدف المعرفي من الحملة: من الضروري أن يدرك المصمم أن الجمهور قد يجهل العديد من هذه القضايا، لذا يجب أن يكون الهدف الرئيسي للحملة هو توعية الجمهور حول هذه القضايا وأهميتها، مع تجنب تقديم الحلول كمرحلة أولى.
- هدف سلوكي: تتعلق السلوكيات بالنشاطات التي يقوم بها الأفراد، والتي ليست ثابتة بل تتغير بتأثير البيئة المحيطة، فيمكن تعديل السلوك من خلال الحملات الإعلامية، بتعزيز السلوكيات المقبولة وتقليل غير المقبولة، وبالتالي زيادة السلوكيات الإيجابية وخلق عادات جديدة تُسهم في تحسين التصرفات.
- هدف في الاتجاه أو الأفكار: يتعلق هذا الهدف بتغيير الاتجاهات والمواقف التي يتبناها الأفراد. عملية تغيير الاتجاهات ليست سهلة، حيث تتشكل الاتجاهات مع مرور الوقت وتصبح جزءًا من شخصية الفرد. لذلك، تنفق الدول مبالغ كبيرة في الحملات الإعلامية لتغيير توجهات المجتمع تجاه قضايا معينة مثل التدخين أو الحفاظ على البيئة، بالرغم من عدم تحقيق نتائج فورية.
- هدف عقائدي: تعتبر المعتقدات من أقوى ما يؤمن به الإنسان، حيث تشكل إطارًا مرجعيًا وروحيًا لحياته. يمكن أن تكون هذه المعتقدات دينية أو ثقافية، وتعد عملية تغييرها من أصعب الأمور. يتطلب ذلك جهدًا كبيرًا من الحملات الإعلامية، التي تهدف إلى إعادة تشكيل هذه المعتقدات لتتناسب مع القيم والمبادئ الحديثة.
ثانيًا: تحديد الفئة المستهدفة
لا تقوم الحملة الحملة الإعلامية دون قصد أو استهداف جمهور بعينهن فلا يمكن أن تكون الحملة بشكل عشوائي دون تحديد فئة تخاطبها وتحقق منها الغرض الذي دُشِّنت لأجله. هذا الجمهور يتباين في سمات وخصائص تتصل به ديموغراقيًا وإثنوغرافيًا “عرقيًا” وجغرافيًا، كما الآتي:
- الصفات الديموغرافية للجمهور المستهدف
يمكن تقسيم الجمهور المستهدف إلى فئات صغيرة بناءً على الصفات الديموغرافية، مما يساعد على فهم احتياجاتهم ورغباتهم بشكل أفضل. تشمل هذه الصفات “العمر، الجنس أو النوع فما يصل إلى الذكور لا يصل إلى الإناث، وكذلك الحالة الاجتماعية متزوج أو أعزب. إضافة لذلك فهم العرق في تعزيز فعالية الرسائل ومستوى التعليم والوظيفة التي تعمل كعوامل مؤثرة في فهم ما تدعو له الحملة أو تريد إيصاله من أفكار أو تحدده من وسائل ورسائل موجهة له.
- الموقع الجغرافي
بالإضافة إلى الصفات الديموغرافية، يُمكن تقسيم الجمهور حسب الموقع الجغرافي، الذي يشمل الأقاليم والمحافظات والمدن، والتي يكتسب أهلها من جماهير الحملة المستهدفين من طباع تتباين بدرجات متفاوتة، تبعًا لثقافة المنطق فأهل القرى ليسوا كأهل البدو وكلاهما قد يختلف في ثقافته عن أهل المدن، حتَّى المتمدينين منهم لهم من الإرث الثقافي ما يستوجب وضعه في الحُسبان، خلال تحديد الفئة خلال التخطيط للحملة من البداية.
- فهم الاهتمامات
فهم الاهتمامات هو عنصر أساسي في تصميم الحملات الإعلامية التي تستهدف جمهورًا محددًا. يساعد هذا الفهم المؤسسات أصحاب الحملة في زيادة فعَّالية الرسائل. فتحليل المواقف والتصرفات لفهم كيفية تفاعل الأفراد مع رسائل تتعلق بفكرة الحملة، مما يمكّن من تخصيص محتوى يتناسب مع وعي الجمهور ودرجة استيعابه.
ثالثًا: تحديد الوسيلة الإعلامية
تتعدد الوسائل الإعلامية التي يمكن استخدامها في الحملات الإعلامية، سواء كانت تقليدية أو حديثة، ويزداد توافر الخيارات المتاحة أمام مصمِّمي الحملات مع تطور الإعلام الجديد. من الضروري انتقاء الوسيلة الإعلامية بدقة بناءً على طبيعة الجمهور المستهدف وخصائص الوسيلة نفسها، مثل قدرتها على جذب الاهتمام والتواصل مع الجمهور بكفاءة، إلى جانب التكاليف.
إن استخدام وسائل متعددة قد يُسهم في تحقيق تأثير متكامل لدى الجمهور المستهدف. لذا، فإنَّ معرفة مصمم الحملة بخصائص الوسائل المتاحة وقدرتها على تحقيق الأهداف المرجوة تعد أمرًا حيويًا لزيادة فعالية الحملة، حيث يجب أن يتم توظيف الوسائل بشكل يناسب الهدف، سواء كان ذلك لتدعيم الاتجاهات، أو تقديم معلومات، أو تغيير سلوك الجمهور.
رابعًا: بناء رسالة مناسبة
تعد عملية بناء الرسائل الإعلامية تحديًا رئيسًا لمصممي الحملات الإعلامية، حيث يجب أن يتناسب مضمون الرسائل مع مستوى فهم الجمهور المستهدف، بما يضمن قدرتهم على استيعاب المعلومات المقدمة والتفاعل معها. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تؤثر هذه الرسائل بعمق على الجمهور، بحيث تحقق الاستجابة المطلوبة وتؤدي إلى تغيير في الاتجاهات نحو الموضوع المطروح، بل وترك انطباع دائم يجعل الجمهور يحتفظ بجوانب معينة من الرسالة في ذاكرته.
يعتبر البعض أن تحديد الرسالة المناسبة للحملة الإعلامية يستحق أن يكون مرحلة مستقلة بذاتها، حيث يتشرط بنائها سهولة نقل الرسالة للآخرين دون تعقيدات ودون الحاجة للمرور على “حارس البوابة الإعلامية” كما كان يحدث في وسائل الإعلام التقليدية، وكذلك ضمان وسيلة مناسبة للرسالة تقليدية أو حديثة أو رقمية، وضمان ملائمتها للوسلة المناسبة التي سيتابع من خلالها الجمهور الحملة، مما يوسع نطاق التأثير. كما يمكن إعادة إرسال الرسالة بسهولة من خلال مشاركة الروابط المتعلقة بالحملة، مما يعزز انتشارها. وأخيرًا، تتميز هذه الطريقة بانخفاض التكلفة وإمكانية تكرار عرض الرسالة لمرات عديدة، وهو ما يصعب تحقيقه عبر وسائل الإعلام التقليدية.
تنفيذ الحملات ورصد نتائجها
أولاً: تنفيذ الحملة
تأتي مرحلة تنفيذ الحملة الإعلامية بعد تحديد الأهداف والجمهور المستهدف واختيار الوسائل الإعلامية المناسبة، بالإضافة إلى إعداد الرسالة الإعلامية. هذه المرحلة تعتبر حاسمة، حيث أن التخطيط الجيد وحده لا يكفي لضمان نجاح الحملة. التنفيذ السيء يمكن أن يؤدي إلى فشل الحملة حتى لو كانت الخطة مثالية. لذلك، يجب:
- إدارة ملتزمة في عملية التنفيذ تلتزم بالدقة وتنفيذ الاسترتاتيجيات، كما تم تحديدها.
- التزامن في توجيه الرسائل وملائمتها مع الوسائل اللائقة بها، مع تنويع قنوات الاتصال ما بين التقليدي والرقميِّ.
- متابعة مستمرة لضمان تحويل الأفكار إلى خطوات عملية تسهم في تحقيق أهداف الحملة بشكلٍ سلِس وفعَّال، وذلك باستخدام أدوات استطلاع الرأي والمقابلات مع الجمهور المعنِيّ.
ثانيًا: الرصد والتقييم
مرحلة الرصد والتقييم تبدأ منذ بداية تنفيذ الحملة، وتهدف إلى تتبع مسار الحملة وتقييم أدائها بشكل مرحلي، من أجل أن يساعد هذا التقييم في اكتشاف الأخطاء أو التعديلات المطلوبة لضمان نجاح الحملة. إضافة لذلك يجب أن تتسم الخطة من البداية بالمرونة، التي تكفي للتكيف مع الظروف الطارئة أو المتغيرات التي قد تظهر. نجاح أي حملة يعتمد بشكل كبير على قدرتها في التكيف مع التحديات التي قد تواجهها خلال التنفيذ، مما يضمن تحسين مسارها وتحقيق أهدافها بشكل فعال.
ختامًا، بذلك الاستعراض نكون قد عرضنا استراتيجية متكاملة من أجل تنفيذ خطة إعلامية دقيقة تحقق المستده أو المرجو منها، من خلال آليات تضمن وصول فكرتها إلى الفئة المستهدفة.