يعد التعليق الصوتي أو voice over واحد من إمكانيات العمل الإعلامي، بل هو عنصر أصيل لا يختلف اثنان عليه، فخلفية صوت المعلِّق إثارة لإضفاء الروح على العمل المصوَّر وإن بدا مُكتملاً ، لما له القدرة على بناء مُخيِّلة المشاهد، كما كان الصوت “بنغماته وتنوع أداءه” ولا زال يقوم بنفس الدور مع مستمعي الراديو. إن الإلقاء الصوتي نوع من الأداء يعتمد على قدات حقيقية تسمى بالوسيلة العمياء، فالصوت هو الترجمة لما تراه الأعين أو تتخيله العقول.
ولا يقف دور التعليق الصوتي على كونه مادة خلفية أو Back ground أمام المتلقي أو المشاهد بل هو تقنية إنتاج متعددة الأبعاد تطورت بشكل كبير عبر التاريخ. تجاوزت هذه التقنية أصولها، فبعد أن كانت عنصرًا أساس في نقل المعلومات، مع تقدم التكنولوجيا، اكتسبت بُعدًا فنيًا وجماليًا، ومع تطور صناعة الإعلام، أُضيفت عناصر جديدة مثل التعليق الصوتي للأفلام الوثائقية، حيث يساهم في إيصال الرسائل بشكل مؤثر وجذاب.
تطور التعليق الصوتي
بدأت رحلة التعليق الصوتي في أواخر القرن التاسع عشر مع ولادة تسجيلات الصوت، لكن لم يتمْ استغلاله في عالم الترفيه حتى أوائل القرن العشرين. في عام 1900، سجل ريجينالد فسيندن أول تقرير صوتي ناجح، ممَّا أدَّى إلى استخدام التعليق الصوتي في البثِّ الإذَاعي وأخبار الأفلام والأفلام الصامتة، ثم تطوّر خلال الثلاثينيات والأربعينيات، فدخل العصر الذهبي، حيث تم استخدامه بشكل واسع في درامات الراديو والرسوم المتحركة. في هذه الفترة، لترتبط أصوات بعينها في مُخيلة السامع، مما أسهم في تعزيز تأثير التعليق الصوتي على الجمهور.
مع ظهور الدبلجة في الخمسينات، أصبح بالإمكان الاستمتاع بالأفلام الأجنبية بلغة المشاهد، مما وسع نطاق الوصول للجماهير العالمية إلى محتوى متنوع. في العصر الرقمي، أدَّت تقنيات التسجيل الرقمي إلى ثورة في التعليق الصوتي والدبلجة، ممَّا جعل الإنتَّاج أكثر كفاءة وسهولة في التوزيع عبر الإنترنت، مما يتيح لجمهور أوسع الوصول إلى المحتوى الصوتي.
مفهوم التعليق الصوتي
يعرِّفه الأكاديميون على أنه أسلوب مُتبع لإنتاج وتسجيل الصوت بغرض إضافته في المواد المرئية والسمعية. وغالبًا ما يتضمن معلومة يُرادُ إيضاحها سماعًا، فهو فن استخدام الأصوات في التعبير عن أشياء مكتوبة، وقد يكون الهدف منه سرد قصة، شرح معلومة، توضيح مزايا منتج ما أو شرح طريقة استخدامه.
مجالات التعليق الصوتي
لا يقتصر مجال التعلبيق الصوتي على الراديو، والمباريات، والنشرات الإخبارية وحسْب، بل يتَّسِع ليشمل مقاطع الفيديوهات وأفلام الكرتون، وكذلك الكتب الصوتية والفيديوهات التعليمية، إضافة إلى فن البودكاست والإعلانات التجارية وغيرها.
أنواع التعليق الصوتي
يكشف التعليق الصوتي عن مرونته من خلال أشكال وأوجه متعددة، كل منها يخدم غرضًا فريدًا:
- السرد: في عالم السينما، يعتبر العنصر الأهم، فالصوت الموجه من شأنِه إيضاح الحبكة، ورواية القصة، فيندمج في نسيج العمل.
- صوت الشخصية: عندما تكون الشخصيات خارج الشاشة، يصبح فنانو التعليق الصوتي صوتها. هؤلاء الفنانون يضفون على الشخصيات شخصية وعواطف فقط من خلال قوة أصواتهم.
- تعليمات المنتج: من خلال تبسيط الإجراءات المعقدة، يوجه التعليق الصوتي المستخدمين حول كيفية استخدام المنتجات أو الخدمات، مما يعزِّز تجربة المستخدم.
- الجاذبية التجارية: يعود سحر السرْد المقنِع في الإِعلانات إلى التعليق الصوتي، مما يجبر المستهلكين على اتخاذ إجراءات.
- المونولوج الداخلي: يمنح التعليق الصوتي الوصول إلى أفكار ومشاعر الشخصية الداخلية، كاشفًا عن أعماق نفسيتها.
أدوات التعليق الصوتي
العمل كمعلق صوتي في ظل الانتشار الهائل للبودكاست والمحتوى الصوتي بشكل عام، يحتاج إلى استمرارية، وروح تنافسية عالية وأدوات جودتها مناسبة، لأنه بامتلاك أدوات جودتها رديئة سيكون من المستحيل إنتاج أعمال احترافية بجودة عالية وهذا ما يطلبه العميل. فمعظم المعلِّقين الصوتيين لديْهم الأدوات الأساسية التالية، يمكنك اقتنائها كلها من البداية أو اقتناء الأساسي منها وبعد ذلك تطويرها:
- كمبيوتر أو جهاز محمول: لإدارة أعمال التعليق الصوتي، مثل تسجيل وتحرير الصوت، التخطيط للمحتوى، التسويق، التواصل مع العملاء.
- ميكروفون: أهم أداة يجب أن يقتنيها المعلِّق الصوتي، وظيفته الأساسية هو التقاط الصوت بأفضل مستوى ممكن وبجودة عالية، إضافة لحامل مناسب يبقيه في وضع ثابت خلال الأداء ليكون التسجيل أكثر تناسقًا وتساويًا في جودة الصوت، وتتنوع على حسب الفئة المستخدمة: “ترايبود وحاملات ذراع الرافعة ثلاثية القوائم، حوامل بقواعد مستديرة، حوامل منخفضة الأجنحة، حوامل سطح المكتب”.
- سماعات استوديو: سماعات استوديو أو سماعات الرأس تسمح بالتقاط تسجيلات عالية الجودة، وإعادة تشغيل الصوت والاستماع له دون الحاجة إلى مكبرات صوتية أو خاصيات تؤدي في النهاية إلى انخفاض جودة الصوت.
- مرشحات الصوت: لمنع دخول الهواء الذي يخرج من الفم إلى الميكروفون ومنها أنواع كثيرة.
- برامج التسجيل: برامج التسجيل من أهم أدوات التعليق الصوتي ومتوفر منها الكثير سواء المجانية أو المدفوعة بحسب الاحترافية والغرض المستخدم من أجله..
التعليق الصوتي في الفيديوهات الترويجية
يعتبر التعليق الصوتي عنصرًا أساسيًا في الفيديوهات الترويجية والتعليمية، حيث يسهم في تعزيز الفهم والتفاعل لدى الجمهور. يُضفي الصوت الحيوية على المحتوى، مما يجعله أكثر جذبًا وإقناعًا، من خلال اختيار الصوت المناسب، يمكن للعلامات التجارية التواصل بشكل أكثر فعالية مع عملائها المستهدفين. في دراسة منشورة عام 2011 بمجلة African Journal of Educational Studies in Mathematics and Sciences أكدت أنّ التعليق الصوتي المصاحب للتشبيهات تجعل المعلومة لدى الطالب – لا سيما في مراحله التعليمية الأولى – مألوفة وذات معنى ، فتساعده على التفكير بالأشياء وتذكره بمعلومات جديدة.
وفي دراسة حديثة منسوبة لجامعة Singapore Management University السنغفورية أكَّدت أنَّه مع زيادة عدد المعلقين داخل في فيديو لمشروع تمويل جماعي، كان المشروع يشهد زيادة متوسطة بنسبة 39٪ في المبلغ الملتزم به، و38٪ المزيد من العملاء الذين يدعمون المشروع، وزيادة بنسبة 6.5٪ في احتمالية تمويل المشروع بنجاح، مشيرة نحو أنَّه في العصر الرقمي، يُعد التسويق عبر الفيديو وسيلة أساسية للتواصل مع الجمهور، حيث يقضي الشخص العادي 100 دقيقة يوميًا في مشاهدة مقاطع الفيديو. أكثر من 40% من المستهلكين يقولون إنهم اشتروا منتجات اكتشفوها على يوتيوب، مما يعزز أهمية الفيديو في زيادة حركة المرور وتعزيز التحويلات على المواقع الإلكترونية.
استراتيجيات التعليق الصوتي في الفيديوهات الترويجية
- كتابة سيناريو
إنَّ كتابة سيناريو محكم يحدد النقاط الرئيسية المُراد إيصالها، مما يعزز من جودة التعليق الصوتي ويساعد في تحقيق الأهداف المرجوة.
- نوع التعليق الصوتي
من الواجب تحديد نوع التعليق الصوتي الذي يتناسب مع أهداف المنتج الترويجي أو التعليمي، مع مراعاة نغمة السرد وهوية العلامة التجارية لتحقيق تأثير عاطفي فعّال.
- الجمهور المستهدف
لا بد من دراسة خصائص الجمهور المستهدف، حيث تساعد في اختيار معلق صوتي يتناسب مع احتياجاتهم، مما يزيد من فعالية الرسالة الموجهة لهم. فمثلاً جمهور الشريحة أو الطبقة المتوسطة لا تتناسب معهم لَكْنَة أو طريقة موجّهة لشرائح أعلى.
- توظيف معلق صوتي محترف
توظيف معلق صوتي محترف يضمن إتقان نغمة الصوت وتنظيم الكلام، مما يسهم في تقديم محتوى صوتي متوافق مع طبيعة الجمهور المستهدف.
ومن هنا يمكن استعراض أهداف متطورة للتعليق الصوتي
- زيادة الفهم والتفاعل: مقاطع الفيديو المدعومة بتعليق صوتي قوي تعزز فهم الجمهور لمحتواها، مما يزيد من احتمالية تفاعلهم ومشاركتهم لها عبر منصات التواصل الاجتماعي.
- إثارة العاطفة: التعليق الصوتي في الفيديوهات التسويقية يساعد في إشراك العملاء المحتملين وإثارة مشاعرهم، مما يزيد من ارتباطهم بالعلامة التجارية ويعزز فرص إتمام الصفقات.
- زيادة المصداقية: توظيف معلق صوتي محترف يعزز مصداقية المحتوى ويساهم في بناء علاقة شخصية مع العملاء، مما يعزز الثقة في العلامة التجارية دون الحاجة للتعاقد مع فنانين مكلفين.
- التعزيز من فعالية الحملات التسويقية: التعليقات الصوتية التي تتضمن عبارات تحث على اتخاذ إجراء يعزز من فعالية الحملات التسويقية، مما يزيد من معدل التحويل والمبيعات ويعزز العائد على الاستثمار.