تواصل معنا

مصر- الدقهلية، المنصورة، 5شارع السكة القديمة، الدور الثالث

متوفرون على مدار الساعة كل الأسبوع 24/7 تواصل معنا +20 10 91094492 twaasooleg@twaasool.com

عصر الرسائل المتعددة.. من يسيطر على الاتصال في زمن التفاعل؟

نشهد اليوم تحولًا جذريًا في كيفية إنتاج وتوزيع المعلومات، حيث لم يَعُدْ الاتصال محصورًا في قنوات تقليدية ذات اتجاه واحد، بل أصبح متعدد الاتجاهات، مما يثير تساؤلات حول من يملك السيطرة الحقيقية على تدفق المعلومات في هذا السياق التفاعلي.

مفهوم تعدد الرسائل والتفاعل

يشير تعدد الرسائل إلى القدرة على إدارة محادثات متعددة في وقت واحد عبر وسائط مختلفة. هذا المفهوم، المعروف بـ “التواصل المتعدد (Multi-communicating)، يسمح للأفراد بالتفاعل مع عدة أطراف باستخدام أدوات مثل البريد الإلكتروني، الرسائل النصية، ومنصات التواصل الاجتماعي. هذا التعدد يغير من طبيعة السيطرة على الاتصال، حيث تتوزع السلطة بين مرسلين ومستقبلين متعددين.
أدوات التفاعل الحديثة وتأثيرها
شهد العقد الأخير تطورًا جذريًا في أدوات الاتصال، حيث أتاحت المنصات الرقمية التفاعلية، مثل تويتر، إنستغرام، وتيك توك، للمستخدمين التعبير الفوري والمشاركة في النقاشات العامة. هذا التحول جعل من “المواطن المتصل” عنصرًا محوريًا في العملية الاتصالية، وليس مجرد متلقٍ خاضع.

التفاعل الرقمي في الاتصال الحكومي

تتبنى الحكومات بشكل متزايد وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز التفاعل مع المواطنين، وفقًا لدراسة حديثة نُشرت بدورية “Best practices in e-government communication: Lessons from the local Governments’ use of official Facebook pages” في يناير عام 2025 بدورية “Government Information Quarterly” حلّلت استخدام 25 مدينة ناجحة في الفلبين لصفحاتها الرسمية على فيسبوك، وكشفت عن أفضل الممارسات في الاتصال الحكومي الإلكتروني.
إضافة لما سبق، برزت دراسة أخرى نُشرت في ديسمبر 2024 في مجلة “Environmental Research” بعنوان Impacts of government social media on public engagement in low-carbon practices focusing on Japan بحثت في دور وسائل التواصل الاجتماعي الحكومية في تعزيز المشاركة العامة في الممارسات منخفضة الكربون في اليابان، لتكشف أنّ الموضوعات المتعلقة بالإجراءات الحكومية ومعلومات الممارسات المنخفضة للكربون تعزز التفاعل بشكل ملحوظ. وقد قدّمت الدراسة مفهوم “رأس المال الاجتماعي الرقمي” كعامل وسيط يُخفف من التأثيرات السلبية للحلقات الحوارية وثراء الوسائط على التفاعل، ويؤثر كذلك في مدى تأثير الموضوعات المنشورة.

تحديات السيطرة في عصر التفاعل

رغم التحولات الإيجابية التي أتاحها التفاعل الرقمي في توسيع دائرة الاتصال وتمكين الأفراد من التأثير، إلا أن هذا النموذج يواجه تحديات جوهرية في ضبط الرسائل وضمان دقتها. أول هذه التحديات هو فرط المعلومات (Information Overload) ، حيث تؤدي الكثافة الهائلة في المحتوى المنشور يوميًا إلى تشتت الانتباه وصعوبة التحقق من الرسائل الأساسية، مما يُضعف من قدرة المؤسسات على الحفاظ على سياق واضح وموجه. كما أن الاعتماد على الخوارزميات التفاعلية أوجد “فقاعات معلوماتية” يعيش فيها المستخدم ضمن محتوى يُؤكد قناعاته فقط، دون انفتاح على الرأي الآخر، وهو ما يهدد الحوار العام المتوازن.
الأخبار الزائفة تمثل تحديًا آخر، وفقًا لمركز بيو للأبحاث، في أكتوبر 2024، قال 73% من الأمريكيين إنهم شاهدوا تغطية إخبارية غير دقيقة عن الانتخابات. كما أظهرت دراسة بعنوان Comparing the willingness to share for human-generated vs. AI-generated fake news نشرها موقع جامعة كورنيل الأمريكية في فبراير 2024 أنّ الأخبار الزائفة التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي تُعتبر أقل دقة من تلك التي يُنشئها البشر، لكنها تنتشر بنفس القدر. انتشار الأخبار الزائفة (Fake News)، والتي تنتقل بسرعة مذهلة بفضل قابلية إعادة النشر دون تحقق، تخلق ضررًا آخر، أظهرت دراسة لمعهد MIT في عام 2018، أنّ الأخبار الزائفة تنتشر على تويتر أسرع بنسبة 70% من الأخبار الحقيقية.
أما التحدي الثالث فهو مخاطر الخصوصية والأمن السيبراني، فمع تزايد الاعتماد على الأدوات الرقمية في التفاعل، أصبح من الضروري حماية البيانات الشخصية من الاستغلال أو التلاعب، وهو ما يتطلب بنية تشريعية وتكنولوجية لم تكتمل بعد في كثير من الدول النامية، خاصة في السياقات الحكومية. إنّ هذه التحديات، إذا لم تُواجه بسياسات ذكية وشفافة، قد تُفقد المؤسسات الرسمية قدرتها على التأثير وتُعزز من الفوضى الاتصالية.

فرص قابلة للتنفيذ في السياق العربي

رغم التحديات، فإن البيئة العربية تملك إمكانيات كبيرة لتبني نماذج اتصال تفاعلية متقدمة، خاصة مع ازدياد معدلات استخدام الهواتف الذكية وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي. إحدى أبرز الفرص تكمن في تطوير منصات تواصل محلية ذات طابع رسمي/مجتمعي، تتيح التفاعل المباشر بين المواطن والمؤسسة، كأن يتم تخصيص منصات بلدية أو وزارية لجمع المقترحات والرد على الاستفسارات، على غرار نموذج منصة “REACH” في سنغافورة. هذه الخطوة تُمكّن من خلق حلقة تواصل دائمة مع الجمهور، تُسهم في توجيه السياسات بناءً على تغذية راجعة مستمرة.
كما يمكن تعزيز فعَّالية الاتصال التفاعلي في المنطقة العربية عبر تأهيل الكوادر الإعلامية والمؤسسية بمهارات التواصل الرقمي، والتحليل البياني، والاستجابة السريعة، وهو أمر بات ضروريًا في المؤسسات الحكومية والإعلامية على حد سواء. إضافة إلى ذلك، يُشكل تعزيز الشفافية فرصة استراتيجية لا لبس فيها، إذ يمكن للتفاعل الرقمي أن يتحول إلى أداة لبناء الثقة بين الحكومات والمواطنين، خاصة عندما يُوظف في تقديم المعلومات بشفافية واستباق الشائعات. إن استثمار هذه الفرص لا يتطلب فقط تغيير الأدوات، بل أيضًا تطوير الذهنية المؤسسية باتجاه الشراكة مع المواطن، لا مجرد مخاطبته من علٍ.
ختامًا، في عصر التفاعل وتعدد الرسائل، تتغير مفاهيم السيطرة على الاتصال، يتطلّب هذا التحول تبنِّي استراتيجيات جديدة تركِّز على معايير التفاعل والشفافية وفهم ديناميكيات الاتصال الحديثة؛ من أجل ضمان وصول الرسائل بفعالية وتحقيق الأهداف المرجوَّة.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *