تواصل معنا

مصر- الدقهلية، المنصورة، 5شارع السكة القديمة، الدور الثالث

متوفرون على مدار الساعة كل الأسبوع 24/7 تواصل معنا +20 10 91094492 twaasooleg@twaasool.com

عندما يتحدث الجمهور.. من يصغي للمنصات قبل صياغة البيان؟

تُعَدُّ وسائل التواصل الاجتماعي اليوم ساحةً رئيسية يتبادل فيها الجمهور آرائهم ويعبّرون عن مواقفهم تجاه القضايا المختلفة. هذا التفاعل المستمر يفرض تحديات على المؤسسات الرسمية في كيفية الاستماع والاستجابة بفعالية قبل صياغة بياناتها الرسمية.

التفاعل الجماهيري وتأثيره على الاتصال الرسمي

يشير التفاعل الجماهيري إلى التحوّل الجوهري في العلاقة بين الأفراد والمؤسسات، حيث أصبح بإمكان الجمهور المشاركة الفورية في النقاشات العامة عبر منصات مثل تويتر وفيسبوك ويوتيوب. هذه المشاركة النشطة منحت الجمهور قوة ناعمة تتجلى في قدرته على التأثير في اتجاهات الحوار وخلق الضغط الجماهيري، بل وفي بعض الأحيان، فرض جدول أعمال إعلامي جديد تتفاعل معه المؤسسات لاحقًا.
في ظل هذا التغيير، لم يعد ممكنًا للمؤسسات الرسمية أن تُصدر بياناتها بمعزل عن السياق الرقمي المحيط بها. لقد أصبح من الضروري رصد المنصات الاجتماعية كخطوة أولى قبل أي خطاب رسمي، لفهم نبض الشارع، وتحديد القضايا ذات الأولوية، ورصد المشاعر العامة. تجاهل هذا التفاعل قد يؤدي إلى إنتاج رسائل غير متوافقة مع المزاج العام، أو حتى تعمّق فجوة الثقة بين المؤسسة والجمهور. إن الإصغاء الفعلي لما يُقال على المنصات لم يعد خيارًا تواصليًا إضافيًا، بل ضرورة استراتيجية لضمان فعالية الرسالة وتأثيرها في الفضاء العام.

الحكومة الصينية ومنصة “ويبو” خلال الجائحة

في ذروة الموجة الأولى من جائحة كوفيد-19، قدمت الحكومة الصينية نموذجًا تطبيقيًا لدمج التفاعل الرقمي في صناعة القرار الاتصالي. فقد ركزت السلطات على تحليل محتوى المنشورات والتعليقات عبر منصة “ويبو” – وهي واحدة من أكثر منصات التواصل استخدامًا في الصين – من أجل رصد مخاوف المواطنين، وأسئلتهم، وانتقاداتهم تجاه إدارة الأزمة. ووفقًا لدراسة منشورة في مجلة Journal of Medical Internet Research، تم استخدام هذه البيانات لتكييف الرسائل الصحية بما يتلاءم مع السياق الاجتماعي والنفسي للجمهور، ما أسهم في زيادة مستويات الامتثال للإجراءات الوقائية ورفع الثقة في الخطاب الحكومي. هذا النموذج يوضح كيف أن الإصغاء الرقمي أصبح ضرورة في الأزمات، وليس مجرد أداة دعم.

المؤثرون الرقميون وعمليات التأثير السياسي: نموذج “Data Boys” النيجيري

كشفت دراسة نُشرت في يناير 2024 في مجلة Media, Culture & Society عن الاستخدام الخفي للمؤثرين الرقميين في نيجيريا ضمن حملات التأثير السياسي، حيث ركزت على مجموعة تُعرف باسم “Data Boys”. اعتمدت الدراسة على مسح نوعي شمل 25 مؤثرًا رقميًا نيجيريًا، وكشفت ثلاث محاور رئيسية في عملهم: تمجيد السياسيين، المكافآت المالية، والنتائج المتوقعة. أظهرت النتائج أن هؤلاء المؤثرين يروّجون لقادتهم السياسيين من خلال طمس الهوية، وتضخيم الإنجازات، واختلاق اتهامات فساد ضد الخصوم، والتستر على تجاوزات الجهات التي يدعمونها.
أشارت الدراسة المُعنونة بـ “Social media influencers and political influence operations: The Data Boys example in Nigeria” إلى أن “Data Boys” لا يستخدمون قوتهم الاتصالية في النقاش البناء أو الحوار الموضوعي، بل يعملون كقنوات لنشر الرسائل السياسية الموجهة والممولة، غالبًا بطريقة تتعارض مع المصلحة العامة. وبحسب الباحثين، فإن هذا النموذج يُضعف من مهنية العلاقات العامة، ويسيء إلى جوهر تأثير المؤثرين الرقميين، ويُفرغ الحملات الانتخابية من مضمونها التفاعلي الحقيقي.

المؤثرون الرقميون وصياغة السياسات الحزبية

في العصر الرقمي الحالي، أصبح للمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي دورٌ بارز في تشكيل السياسات الحزبية وتوجيه الخطاب السياسي. وفقًا لدراسة نُشرت في ديسمبر 2023، عبر موقع جامعة ولاية بنسلفانيا، بعنوان”Social media influencers may affect more than voter opinions” فإن المؤثرين الذين ينشرون رسائل سياسية مشوهة قد يدفعون الأحزاب السياسية إلى تعديل مواقفها لجذب الناخبين المستقلين، مما يؤدي إلى استقطاب أكبر في المجتمع.
بالإضافة إلى ذلك، أظهر تقرير لمركز بيو للأبحاث – وهو مركز لمراجعة ودراسات الرأي العام – تحت عنوان المؤثرون “الأمريكيون الجُدد America’s News Influencers”، أنَّه في نوفمبر 2024 بدا حوالي 21% من البالغين الأمريكيين يحصلون بانتظام على الأخبار من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، مع ارتفاع هذه النسبة إلى 37% بين الفئة العمرية من 18 إلى 29 عامًا. هذا يشير إلى التأثير المتزايد للمؤثرين في تشكيل الرأي العام وتوجيه النقاشات السياسية.

انعكاسات التفاعل الجماهيري على استراتيجيات الاتصال الرسمي

يتطلب هذا الواقع الجديد من المؤسسات الرسمية تطوير استراتيجيات اتصال تأخذ بعين الاعتبار التفاعل الجماهيري. يجب أن تشمل هذه الاستراتيجيات آليات لرصد وتحليل المحتوى الرقمي، والتفاعل المباشر مع الجمهور، وتحديث الرسائل الرسمية بناءً على التغذية الراجعة المستمرة.

الآن، عندما يتحدث الجمهور عبر المنصات الرقمية، يصبح من الضروري للمؤسسات الرسمية الإصغاء بعناية قبل صياغة بياناتها، فالتفاعل الفعّال مع الجمهور يعزز من مصداقية هذه المؤسسات ويضمن توافق رسائلها مع توقعات واحتياجات المجتمع.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *