عمر غازي
في إحدى الحملات المذهلة التي أطلقتها منصة “نتفليكس” عام 2019، استخدمت الشركة بيانات المشاهدين لتقديم توصيات شخصية تعتمد على تاريخ مشاهداتهم، لم تكن الفكرة مجرد تحسين لتجربة المستخدم، بل استراتيجية تسويقية عميقة عززت ارتباط الجمهور بالمنصة، حيث أظهرت البيانات أن المستخدمين يميلون بنسبة 75% إلى مشاهدة محتوى يتم التوصية به بناءً على اهتماماتهم، هذه الحملة لم ترفع معدلات الاشتراك فحسب، بل جعلت من “نتفليكس” نموذجًا يُحتذى به في كيفية استخدام التحليل الرقمي لفهم الجمهور وبناء تجربة شخصية.
التسويق الرقمي، بطبيعته الديناميكية، يتيح للشركات فرصة غير مسبوقة للتفاعل مع جمهورها بطريقة شخصية ومباشرة، حيث أظهرت دراسة أجرتها HubSpot عام 2022 أن الحملات التي تعتمد على تخصيص الرسائل والمحتوى تزيد من معدلات التفاعل بنسبة 50% مقارنة بالحملات التقليدية، هذا يشير إلى تحول جذري في طريقة تفاعل الشركات مع العملاء، حيث لم تعد الرسائل العامة كافية لجذب انتباه جمهور رقمي يتسم بالتنوع والتوقعات العالية.
النجاح في التسويق الرقمي لا يتوقف على الإبداع فقط، بل يتطلب استراتيجيات قائمة على البيانات والتحليل العميق لسلوك المستهلك، الأدوات الرقمية مثل Google Analytics وSocialbakers تُعتبر أساسًا لفهم أنماط التفاعل وقياس فعالية الحملات، دراسة صادرة عن شركة Deloitte عام 2020 أكدت أن المؤسسات التي تعتمد على تحليل البيانات لتحقيق فهم أعمق لجمهورها تحقق معدلات عائد أعلى بنسبة 35% مقارنة بتلك التي تعتمد على النهج التقليدي.
قصة نتفليكس تُبرز جانبًا آخر مهمًا، وهو القدرة على استغلال الجانب العاطفي في التسويق الرقمي، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد عام 2019 أن الحملات التي تثير مشاعر إيجابية مثل الفرح أو الحنين تخلق ارتباطًا أقوى بين العلامة التجارية والجمهور، وهذا ما نجحت “نتفليكس” في تحقيقه من خلال تقديم تجربة مشاهدة شخصية لكل مستخدم، مما ساهم في بناء علاقة طويلة الأمد مع جمهورها.
في العالم العربي، بدأنا نشهد محاولات لتطبيق استراتيجيات مشابهة، حيث أطلقت العديد من العلامات التجارية المحلية حملات تعتمد على تخصيص المحتوى بما يتناسب مع الثقافة والهوية العربية، مثال ذلك الحملات التي تُطلق خلال شهر رمضان، والتي تُبرز القيم العائلية والدينية لتكوين ارتباط عاطفي مع الجمهور، تقرير صادر عن Ipsos عام 2022 أظهر أن 65% من الجمهور العربي يفضلون الحملات التي تعكس هويتهم الثقافية، مما يُبرز أهمية السياق الثقافي في التسويق الرقمي.
التسويق الرقمي ليس مجرد نشر للإعلانات أو استعراض للمنتجات، بل هو رحلة لفهم الجمهور، بناء علاقة معه، وتقديم قيمة تتجاوز المنتج نفسه، تجربة “نتفليكس” تُذكرنا بأن السر في التسويق الرقمي الناجح يكمن في الجمع بين الإبداع، البيانات، والفهم العميق للنفس البشرية، فالنجاح الحقيقي لا يتعلق بما تقدمه الشركة، بل بكيفية جعل المستهلك يشعر بأنه جزء من القصة.