تواصل معنا

مصر- الدقهلية، المنصورة، 5شارع السكة القديمة، الدور الثالث

متوفرون على مدار الساعة كل الأسبوع 24/7 تواصل معنا +20 10 91094492 twaasooleg@twaasool.com

الحسابات الرسمية تتغيّر.. هل انتهى دور المتحدث الرسمي؟

تستمر التحولات الرقمية المتسارعة، في وقت أصبحت الحسابات الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي أدوات رئيسة للتواصل الحكومي المباشر مع الجمهور. هذا التطور يثير تساؤلات حول مستقبل دور المتحدث الرسمي التقليدي في المؤسسات الحكومية.

صعود الحسابات الرسمية وتأثيرها

تشير دراسة نُشرت في مايو 2024 من قبل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) إلى أن الجمهور وصانعي السياسات يتعاملون مع منشورات القادة على وسائل التواصل الاجتماعي بنفس الجدية التي يتعاملون بها مع البيانات الحكومية الرسمية. هذا يشير إلى تحول في كيفية استقبال المعلومات الرسمية، حيث أصبحت التغريدات والمنشورات الرقمية تحمل وزنًا مماثلًا للتصريحات التقليدية.
تشير دراسة حول أفضل الممارسات في التواصل الحكومي الإلكتروني، نُشرت في يناير 2025 في مجلة “Government Information Quarterly” إلى أن 25 مدينة ناجحة في الفلبين استخدمت صفحاتها الرسمية على فيسبوك لتعزيز التواصل الحكومي الإلكتروني. بحسب الدراسة المُعنونة Best practices in e-government communication: Lessons from the local Governments'” use of official facebook pages”، مما أدَّى إلى تحسين التفاعل مع المواطنين وزيادة الشفافي.
وفي المملكة المتحدة، أطلقت الحكومة في نوفمبر 2024 وحدة الإعلام الجديد للتعاون مع المؤثرين على منصات مثل تيك توك وإنستغرام. بحسب تقرير منشور في التايمز الأمريكية حول انتشار رسائل المؤثرين عبر التواصل الاجتماعي، كان هذا الإجراء بهدف الوصول إلى فئات سكانية أوسع، خاصة من “الشباب”. كذلك في تقرير صادر عن معهد رويترز لدراسة الصحافة في يونيو 2024، تم تسليط الضوء على تزايد تأثير الأصوات البديلة والمؤثرين على الشبكات الاجتماعية ومنصات الفيديو، حيث يتلقى هؤلاء المؤثرون استشهادات أكثر من وسائل الإعلام التقليدية في بعض السياقات. هذا التحول يشير إلى إعادة تشكيل المشهد الإعلامي، حيث لم يعد الجمهور يعتمد فقط على المصادر التقليدية للحصول على المعلومات.

تراجع دور المتحدث الرسمي التقليدي

مع تزايد الاعتماد على الحسابات الرسمية في التواصل، يواجه دور المتحدث الرسمي التقليدي تحديات تتعلق بضرورته ووظيفته. في السابق، كان المتحدث الرسمي هو القناة الرئيسية لنقل رسائل المؤسسة إلى وسائل الإعلام والجمهور. أما الآن، فتُمكِّن المنصات الرقمية المؤسسات من التواصل المباشر دون وسيط، مما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان المتحدث الرسمي لا يزال يلعب دورًا حيويًا في هذا السياق.
لقد شهدت بعض المؤسسات تراجعًا في دور المتحدث الرسمي التقليدي. في نوفمبر 2024، قلّصت عدة قوات شرطة بريطانية نشاطها على منصة X (تويتر سابقًا) بسبب مخاوف من المحتوى المتطرف، مع التركيز على منصات أخرى للتواصل مع الجمهور.

التحديات والاعتبارات المستقبلية

رغم الفوائد، يواجه الاعتماد المتزايد على الحسابات الرسمية تحديات، منها انتشار المعلومات المضللة. وفقًا لمقال نُشر في سبتمبر 2024 من مؤسسة RAND، وهي منظمة غير ربحية تأسست في الأصل عام 1948 من قِبَل شركة طائرات دوغلاس لتقديم تحليلات وأبحاث للقوات المسلحة الأميركية، فإن تراجع الشفافية قد يزيد من صعوبة مكافحة التضليل الإعلامي على المنصات الرقمية.
بالإضافة ما سبق، يتطلَّب التحوُّل الرقمي تدريبًا مستمرًا للكوادر الحكومية على استخدام الأدوات الرقمية بفعالية، وضمان التواصل الشفاف والموثوق مع الجمهور.

تحول جوهري في وظيفة المتحدث الرسمي

في بيئة اتصال تتسم بالسرعة والانكشاف، لم يعد المتحدث الرسمي هو المصدر الأوحد أو المرجعي للمعلومة الرسمية. التحول الحاصل يتمثل في انتقال المؤسسات إلى التواصل الفوري والمباشر عبر حساباتها الرقمية، دون الحاجة لمرور الرسائل عبر قنوات تقليدية. ومع أن هذا التحول قد يبدو منطقيًا من حيث الكفاءة والانتشار، إلا أنه يُنتج فراغًا رمزيًا يتعلق بالمسؤولية والتمثيل الرسمي. المتحدث الرسمي كان لسنوات طويلة صمام أمان للمؤسسة، لا يكتفي بإيصال البيان بل يضبط إيقاع الرأي العام، ويوفّر سياقًا ضروريًا لفهم الرسائل، وهو ما لا توفره التغريدات العابرة مهما بلغت دقتها.
أضحت تقنيات الذكاء الاصطناعي اليوم تدخل في صلب عمليات الاتصال المؤسسي، حيث باتت بعض الجهات تعتمد على نماذج لغوية ذكية لصياغة الردود والتصريحات الأولية. هذا التطور يطرح تحديًا مزدوجًا: من جهة، يوفر أدوات فعالة للتفاعل مع الجمهور على مدار الساعة، لكنه من جهة أخرى يضعف الطابع الإنساني للمعلومة، ويهدد ما يُعرف بـ “المصداقية الشعورية” التي يجسدها المتحدث البشري. تشير تحليلات منشورة في MIT Technology Review (2024) إلى أن الجمهور لا يتفاعل بالمستوى نفسه مع البيانات المُنتَجة آليًا، خاصة عند الأزمات، مقارنة بخطابات المتحدثين المعتمدين الذين يمثلون الوجه الإنساني للمؤسسة.

ضرورة إعادة تعريف الدور بدلًا من إلغائه

بدلًا من إلغاء دور المتحدث الرسمي، تبدو الحاجة أكثر إلحاحًا لإعادة تعريف هذا الدور ضمن بنية هجينة تدمج بين الذكاء الاصطناعي والبشرية التفاعلية. يمكن للمتحدث الرسمي أن يتحول إلى مشرف على استراتيجية الاتصال الشامل، لا مجرد ناقل للبيانات، بحيث يتولى مسؤولية التحقق من فاعلية أدوات التواصل الرقمي، وصياغة السياسات الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الرسائل الرسمية، وضمان بقاء التواصل بين المؤسسة والجمهور قائمًا على الثقة والوضوح والشفافية.
ختامًا، بينما توفر الحسابات الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي فرصًا لتعزيز التواصل المباشر والشفافية، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة نهاية دور المتحدث الرسمي التقليدي. بل يتطلب الأمر تكاملاً بين الأدوات الرقمية والتواصل الشخصي لضمان تقديم رسائل حكومية فعّالة وموثوقة.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *